ضعيفجيد
قصة الإسلام
خلافة الفضل المطيع لله بن المقتدر
(من جمادى الآخرة 334هـ حتى خلع في ذي القعدة 363هـ)
أحد قصور بغداد العظيمةعانى من شغب الجند عليه فاضطر إلى استرضائهم بإقطاع القواد والجند إقطاعات السلطان وأصحاب الأملاك فخربت البلاد لذلك، وعم الغلاء والنهب.. ولم تمض سنة على بغداد حتى اشتد الغلاء فأكل الناس الميتة والكلاب، وأكل الناس خروب الشوك، وكانوا يسلقون حبه ويأكلونه فلحق الناس أمراض وأورام في أحشائهم، وكثر فيهم الموت حتى عجز الناس عن دفن الموتى فكانت الكلاب تأكل لحومهم، وانحدر كثير من أهل بغداد إلى البصرة، فمات أكثرهم في الطريق وبيعت الدور والعقارات بالخبز.
فكان نظام الإقطاعات أول فساد بالعراق، لأنه أضعف همة الفلاحين الذين يقومون بزرع الأرض وإصلاحها.
نزاع بين الجند
ظهر كذلك لون من النزاع العنصري بين الأجناد من الديلم والأتراك، وقد حاولت الديلم خلع معز الدولة، ولكن الأتراك وقفوا معه وأفسدوا هذه المحاولة، فمال إليهم معز الدولة دون الديلم، وأطلق يد الأتراك فخربوا البلاد ونهبوا الأموال.
البويهيون على خُطا العبيديين
كان أهل بغداد قبل تحكم البويهية على مذهب أهل السنة والجماعة، يحترمون جميع الصحابة، ويفضلون الشيخين على سائرها ولا يقدحون في معاوية، ولا غيره من سلف المسلمين، فلما جاءت هذه الدولة وهي متشيعة: نما مذهب الشيعية ببغداد ووجد له دعمًا من الحكومة، حتى إنه أمر بالكتابة على المساجد سنة 351هـ: "لعن الله معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة رضي الله عنها، ومن منع أن يدفن الحسن عند قبر جده u...". فلما كان الليل حكه بعض الناس، ولكن المعز أعاد كتابته.
وفي 10 من محرم سنة 352هـ أمر معز الدولة بالإضراب عن العمل، وإظهار النياحة ولبس القباب وعملوها كالمسوح وأن يخرج النساء مسودات الوجه وقد شققن ثيابهن يدرن في البلد بالنوائح على الحسين بن علي t، ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنية قدرة على المنع لكثرة الشيعة؛ ولأن السلطان معهم.
وفي من 18 ذي الحجة لنفس العام أمر بإظهار الزينة وإشعال النيران وإظهار الفرح احتفالاً بعيد الغدير (غدير خم)، وهو الموضع الذي يروى أن رسول الله قال فيه عن علي: "من كنت مولاه فعليُّ مولاه، اللهمَّ والِ من والاه، وعاد من عاداه"، وكان يومًا مشهودًا.
فتن وحروب
حصلت حروب بين معز الدولة البويهي وناصر الدولة العربي، لم تهدأ الحروب بين الطرفين فاشتغلا بها عن كل مصلحة، وكان ذلك سببًا فيما يأتي ذكره من الضعف أمام الروم.
توفي معز الدولة 13من ربيع آخر سنة 356هـ، وتولى بعده عز الدولة بختيار بن أحمد بن بويه فظل في السلطة حتى خلعه ابن عمه سنة 367هـ. وكانت مدته عبثًا واشتغالاً باللهو والنساء، ولم يحسن معاملة من حوله حتى استوحشوا منه. وفي هذه الفترة، استطاع الروم أن يستردوا جميع الثغور الإسلامية الكبرى، وصارت لهم الهيبة في قلوب المسلمين من أهل الجزيرة والشام، بينما بنو بويه وبنو حمدان يغزو بعضهم بعضًا، وعن عدوهم مشتغلون.
موقف يوضح ما وصل إليه الحال
سنة 361هـ أغار ملك الروم على الرها ونواحيها وساروا في الجزيرة حتى بلغوا نصيبين، فحرقوا البلاد وخربوها، فسار جماعة أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنصرين، وقاموا في الجوامع والمشاهد واستنفروا المسلمين، وذكروا ما فعله الروم من النهب والقتل والأسر والسبي، فاستعظم الناس ذلك، فسار معهم أهل بغداد، وقصدوا دار الخليفة وأرادوا الهجوم عليه، فمنعوا من ذلك، وكان بختيار يصطاد بنواحي الكوفة، فخرج إليه وجوه أهل بغداد مستغيثين منكرين عليه اشتغاله بالصيد، وقتال عمران بن شاهين صاحب البطيحة -وهو مسلم- وترك جهاد الروم، ومنعهم عن ديار الإسلام فوعدهم بالتجهيز للجهاد، وأرسل إلى سبكتكين يأمره بالتجهيز وأن يستنفر العامة، فاجتمع معه عدد كثير لا يحصون.
وكتب بختيار إلى أبي تغلب بن حمدان صاحب الموصل يأمره بإعداد الميرة والعلوفات، ويعرفه عزمه على الجهاد والغزو فأجابه بإظهار السرور.. ثم أرسل بختيار إلى المطيع لله يطلب منه مالاً، فقال المطيع: إن الغزو والنفقة عليه وعلى غيره من مصالح المسلمين تلزمني إذا كانت الدنيا في يدي وتجبي إلى الأموال، وأما إذا كانت حالي هذه فلا يلزمني شيء، وإنما يلزم من البلاد في يده وليس لي إلا الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت.
وترددت الرسائل بينهما حتى وصل الحال إلى تهديد الخليفة فبذل المطيع 400 ألف درهم، فاحتاج إلى بيع ثيابه، وأنقاض داره، وغير ذلك. وشاع بين الناس من أهل العراق وخراسان وغيرهم، أن الخليفة قد صودر ماله. فلما قبض بختيار المال صرفة في مصالحة، وبطل حديث الغزو.
الجامع الأزهروفي سنة 361هـ انتقل خلفاء الفاطميين إلى مصر، بعد استيلاء جوهر الصقلي عليها في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.
وفي 15 ذي القعدة سنة 363هـ اعتزل المطيع، ولم يكن له أثر يذكر.
خلافة أبي الفضل عبد الكريم الطائع لله بن المطيع
(من ذي القعدة 363هـ حتى رجب 381هـ)
كانت للفتنة التي قامت ببغداد بين أهل السنة والشيعة أثر كبير في إثارة الاضطرابات والفوضى ببغداد، فسفكت الدماء، وأحرقت الكرخ، التي كانت محلة الشيعة.. ولم يستطع بختيار أن يسيطر على مقاليد الأمور.
شهدت هذه الفترة صراعًا بين بختيار وعضد الدولة ابن عمه على بغداد انتهى لصالح الأخير سنة 366هـ، فتمكن من بغداد، ثم سار إلى الموصل فملكها وأزال عنها الدولة الحمدانية، واتسعت أملاكه فصار له العراق والجزيرة، والأهواز وفارس والجبال والري ثم جرجان.
كان عضد الدولة من أعقلِ آل بويه، حسن السياسة شديد الهيبة معطاء، وكان يختار على أساس الكفاءة لا الشفاعة.. توفي سنة 372هـ في شوال.
اختير بعده ابنه كاليجار المرزبان الملقب صمصام الدولة، فاضطربت في عهده الأحوال، وتقلص الملك الذي ورثه عن أبيه، حتى ضعف أمره ودخل في ولاية أخيه شرف الدولة من سنة 376هـ حتى توفي سنة 379هـ.
ثم تولى بعده بهاء الدولة أبو نصر، أخو شرف الدولة، وفي سنة 381هـ قبض بهاء الدولة على الطائع لله للاستيلاء على أمواله؛ طمعًا فيها ثم خلع.
وفي هذه الفترة قامت الدولة السبكتكينية (الغزنوية) من سنة 366هـ إلى سنة 582هـ، على يد سبكتكين كما سيأتي ذكره.
خلافة أبي العباس أحمد القادر بالله بن إسحاق بن المقتدر
(من رمضان 381هـ حتى توفي في ذي الحجة 422هـ)
تم اختياره بمعرفة آل بويه وقد كان هاربًا في زمن الطائع، فأتى به إلى بغداد واستقبل استقبالاً طيبًا من بهاء الدولة، لم يكن للخليفة شيء من السلطان كمن مضى في عهد سلاطين بني بويه، إلا أن ضعفهم أحيا للخليفة شيئًا من الكلمة والنفوذ، وكان القادر فيه من خلال الخير ما يساعد على ذلك، فقد كان حليمًا كريمًا يحب الخير وأهله، ويأمر به وينهى عن الشر، وكان حسن الاعتقاد، وصنف كتابًا على مذهب أهل السنة والجماعة ثم توفي سنة 422هـ.
خلافة أبي جعفر عبد الله القائم بأمر الله
(من ذي الحجة سنة 422هـ حتى 13 من شعبان سنة 467هـ)
وفي أول عهده ضعفت الخلافة والسلطنة جميعًا ببغداد وعمت الفوضى وشغب الجند، وكثر النزاع بين الديلم عنصر السلطان، وبين الأتراك قدماء العهد ببغداد، والعجيب أن آخر سلطان بويهي، وهو أبو نصر فنا خسرو، في ظل هذا الضعف البيِّن يطلب من الخليفة أن يلقب بالملك الرحيم، فأبى الخليفة ذلك ولكنه أصر حتى كان ذلك لقبه..!!
واستمر سلطانًا حتى قضى عليه السلطان طغرل بك السلجوقي، وبذلك انقضت مدة آل بويه التي لم تترك أثرًا صالحًا في عهد الدولة العباسية، إلا مزيدًا من الفساد والتشتت بما أظهرته من التشيع في بغداد، مع أن غالبية أهلها أهل سنة وجماعة.