[b] من هو الصديق رضي الله عنه
هو عبد الله بن أبي قحافة، من قبيلة قريش، ولد بعد الرسول صلى الله عليه
وسلم بثلاث سنيـن ، أمه أم الخير سلمى بنت صخر التيمية بنت عم أبيه
كان يعمل بالتجارة ومـن أغنياء مكـة المعروفين ، وكان أنسب قريشاً لقريش
وأعلم قريـش بها وبما كان فيها من خير وشـر وكان ذا خلق ومعروف يأتونه الرجال
ويألفونـه اعتنـق الاسلام دون تردد فهو أول من أسلم من الرجال الأحرار ثم أخذ
يدعو لدين اللـه فاستجاب له عدد من قريش من بينهم عثمـان بن عفـان ، والزبيـر بن
العـوام ، وعبدالرحمـن بن عـوف ، والأرقـم ابن أبي الأرقـم .
إسلامه
لقي أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
( أحق ما تقول قريش يا محمد من تركِكَ آلهتنا ، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءَنا ؟ )
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
" إني رسول الله يا أبا بكر ، ونبّيه بعثني لأبلغ رسالته ، وأدعوك الى الله بالحق ،
فوالله إنه للحق أدعوك الى الله يا أبا بكر ، وحده لا شريك له ، ولا نعبد غيره ، و الموالاة على طاعته أهل طاعته "
وقرأ عليه القرآن فلم ينكر ، فأسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد ،
و أقر بحق الإسلام ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد
ونظر إلا أبا بكر ما عتم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه "
قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه :
( ان كل نبي أعطى سبعة نقباء وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أربعة
عشر نقيبا نجيبا انا وابني الحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وابن
مسعود وحذيفة وأبو ذر والمقداد وسلمان وعمار وبلال رضى الله تعالى عنهم )
أول خطيب
عندما بلغ عدد المسلمين تسعة وثلاثين رجلا ، ألح أبو بكر على الرسول صلى الله
عليه وسلم في الظهور فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر إنا قليل "
فلم يزل يلح حتى ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي
المسجد ، وكل رجل معه ، وقام أبو بكر خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم
جالس ، وكان أول خطيب دعا الى الله عز وجل والى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين ، فضربوهم ضربا شديدا ، ووطىء
أبو بكر ودنا منه عتبة بن ربيعة ، فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ، وأثر على وجه
أبي بكر حتى لا يعرف أنفه من وجهه ، وجاء بنو تيم تتعادى ، فأجلوا المشركين
عن أبي بكر ، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته ، ورجعوا بيوتهم و قالوا :
والله لئن مات أبو بكـر لنقتلـن عتبة ..
ورجعوا الى أبي بكر وأخذوا يكلمونـه حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقال :
( ما فعـل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ ) فنالوه بألسنتهم وقاموا
ولما خلت أم الخير ( والـدة أبي بكر ) به جعـل يقول :
( ما فعل رسول الله صلـى اللـه عليه وسلم ؟ )
قالت : والله ما لي علم بصاحبك
قال : ( فاذهبي الى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه )
فخرجت حتى جاءت أم جميل ، فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟
قالت : ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن تحبي أن أمضي معك الى ابنك فعلت .
قالت : نعم ... فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا ، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت :
إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق ، وإني لأرجو أن ينتقـم اللـه لك .
قال : فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟
قالت : هذه أمك تسمع ؟
قال : ( فلا عين عليك منها )
قالت : سالم صالح
قال : ( فأين هو ؟ )
قالت : ( في دار الأرقم )
قال : ( فإن لله علي ألِية ألا أذوق طعاما أو شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) ، فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرِجل وسكن الناس خرجتا به يتكىء عليهما حتى
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكب عليه يقبله وانكب عليه المسلمون
ورق رسول الله فقال أبو بكر : ( بأبي أنت وأمي ليس بي إلاّ ما نال الفاسق من
وجهي ، وهذه أمي برة بوالديها ، وأنت مبارك فادعها الى الله ، وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار )
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلمة ثم دعاها الى الله عز وجل ،
فأسلمت فأقاموا مع رسول الله في الدار شهرا .
جهاده بماله
أنفق أبوبكر رضي الله عنه معظم ماله في شراء من أسلم من العبيد ليحررهم من
العبودية ويخلصهم من العذاب الذي كان يلحقه بهم ساداتهم من مشركي قريش ،
فأعتق بلال بن رباح وستة آخرين من بينهم عامر بن فهيرة وأم عبيس ..
فنزل فيه قوله تعالى :
(( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ))
منزلته من الرسول
كان رضي الله عنه من أقرب الناس الى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأعظمهم منزلة عنده حتى قال فيه :
" ان من أمن الناس علي في صحبته وماله أبوبكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير
ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الاسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر "
كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أبا بكر أرحم الأمة للأمة ، وأنه
أول من يدخل معه الجنة فقد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم :
" أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي "
وأنه صاحبه على الحوض فقد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم
" أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في الغار "
كما أن أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو والد أم المؤمنين عائشة لذا كان عظيـم
الإفتخـار بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصاهرته له وفي ذلك يقول :
( والذي نفسي بيـده لقرابة رسـول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي )
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أي الناس أحب إليك قال عائشة فقلت من الرجال فقال أبوها "
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش
ذات السلاسل فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال "
" عائشة "
فقلت من الرجال
فقال " أبوها "
قلت ثم من
قال " ثم عمر بن الخطاب فعد رجالا "
الصديق والإسراء والمعراج
حينما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس ذهب الناس
الى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له :
هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة
فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه : ( إنكم تكذبون عليه )
فقالوا : بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس
فقال أبو بكر رضي الله عنه : ( والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يعجبكم من ذلك !
فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء الى الأرض في ساعة من
ليل أو نهار فأصدقه ! فهذا أبعد مما تعجبون منه )
ثم أقبل حتى انتهى الى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :
( يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ )
قال : " نعم "
قال : ( يا نبي الله فاصفه لي ، فإني قد جئته )
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" فرفع لي حتى نظرت إليه " فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر رضي الله عنه ..
ويقول أبو بكر : ( صدقت ، أشهد أنك رسول الله ) حتى إذا انتهى
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر :
" وأنت يا أبا بكر الصديق "
فيومئذ سماه الصديق .
الصحبة
ولقد سجل له القرآن الكريم شرف الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء
الهجرة الى المدينةالمنورة ، فقال تعالى :
(( ثاني اثنين اذ هما في الغار ، اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ))
كان أبو بكر رجلا ذا مال ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال
له الرسول : " لا تعْجل لعل الله يجعل لك صاحباً "
فطمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك ،
فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك ، وفي يوم الهجرة ، أتى
الرسول صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر رضي الله عنه بالهاجرة في ساعة كان
لا يأتي فيها ، فلما رآه أبو بكر قال :
( ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث )
فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس
عند أبي بكر رضي الله عنه إلا أسماء وعائشة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
" أخرج عني من عندك "
فقال أبو بكر رضي الله عنه : ( يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي )
فقال : " إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة "
فقال أبو بكر رضي الله عنه : ( الصحبة يا رسول الله ؟ )
قال : " الصحبة "
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : ( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي
من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ )
ثم قال أبو بكر رضي الله عنه : ( يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا )
فاستأجرا عبد الله بن أرقط ، وكان مشركا يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ،
وأثناء السير كان أبو بكر شديد الحراسة لرسول الله صلى الله علبه وسلم ، يمشى
ساعة بين يديه، وساعة خلفه، ففطن رسول الله صلى الله علبه وسلم لتغيير أبي بكر
رضي الله عنه لمواقعه في أثناء المسيرة المباركة، فقال له :
" يا أبا بكر، مالك تمشي ساعة خلفي وساعة بين يدي؟! " فقال :
( يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك )
فقال صلى الله علبه وسلم :
"يا أبا بكر لو كان شىء لأحببت أن يكون بك دوني؟ "
قال: ( نعم والذي بعثك بالحق )
أبواب الجنـة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب ( يعني الجنة )
يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من
أهل الجهاد ، دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ،
ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان "
فقال أبو بكر رضي الله عنه : ( ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة )
وقال : ( هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله )
قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر "
من مناقبه وكراماته
مناقب أبو بكر رضي الله عنه كثيرة ومتعددة فمن مناقبه السبق الى أنواع الخيرات
والعبادات حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
( ما سبقت أبا بكر الى خير إلاّ سبقني )
وكان أبو بكر الصديق يفهم إشارات الرسول صلى الله عليه وسلم التي تخفى على غيره كحديث :
" أن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده " ، ففهم أنه
عليه الصلاة والسلام ينعي نفسه ، ومن ذلك أيضا فتواه في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره على ذلك .
وهو أول خليفة في الإسلام وأول من جمع المصحـف الشريـف
وأول من أقام للناس حجهـم في حياة رسـول اللـه صلى اللـه عليـه وسلم وبعده
وكان في الجاهلية قد حرم على نفسه شرب الخمر ، وفي الإسلام امتنع عن قولالشعر
كما أنه رضي الله عنه لم يفته أي مشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد قال له الرسول صلى اللـه عليه وسلم : " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقا .
وقد بلغ بلال بن رباح رضي الله عنه أن ناسا يفضلونه على أبي بكر رضي الله عنه
فقال : ( كيف تفضلوني عليه ، وإنما أنا حسنة من حسناته )
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :
كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى
أبدى عن ركبته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" أما صاحبكم فقد غامر " فسلم وقال :
( إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي فأقبلت إليك )
فقال : " يغفر الله لك يا أبا بكر " ثلاثا ، ثم إن عمر ندم ، فأتى منزل أبي بكر ،
فسأل : ( أثم أبو بكر ) فقالوا : لا
فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم فسلم ، فجعل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم
يتمعر ، حتى أشفق أبو بكر ، فجثا على ركبتيه فقال :
( يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم مرتين )
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدق ، وواساني بنفسه وماله ،
فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " مرتين فما أوذي بعدها .
خلافته
في أثناء مرض الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد
وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بويع أبوبكر رضي الله عنه بالخلافة
في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع اليها ، اذ دخل عليه ذات يوم
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوجده يبكي ، فساله عن ذلك فقال له :
( يا عمر لا حاجة لي في امارتكم )
فرد عليه عمر : ( أين المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك)
جيش أسامة
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلما
نزل بـذي خشـب ( واد على مسيرة ليلة من المدينة ) قبِض رسول الله صلى الله عليه
وسلم وارتدت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا :
يا أبا بكر رد هؤلاء ، توجه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال :
( والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله ولا حللت عقده رسول الله )
فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا :
لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا
الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
حروب الردة
بعد وفـاة الرسـول صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي
الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب :
( كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله "
فقال أبو بكر : ( الزكاة حق المال )
وقال : ( والله لأقاتلن من فرق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عقالاا كانوا يؤدونها
الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها )
ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسرا مشمرا حتى رجع الكل الى رأيه ،
ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين .
جيوش العراق والشام
ولما فرغ أبو بكر رضي الله عنه من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة رضي الله عنه الى
الشام وخالد بن الوليد رضي الله عنه الى العراق ، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات
على أحد ممن ارتد من العرب ، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا على الإسلام .
استخلاف عمر
لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال :
( إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه ،فاتق الله يا عمر بطاعته ، وأطعه بتقواه ،
فإن المتقي آمن محفوظ ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به ، فمن أمر
بالحق وعمل بالباطل ، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته ،
وأن يحبط عمله ، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخف يدك من دمائهم ،
وأن تصم بطنك من أموالهم ، وأن يخف لسانك عن أعراضهم ، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله )
وفاته
ولد أبو بكر رضي الله عنه في مكة عام ( 51 قبل الهجرة ) ومات بالمدينة بعد الرسول
صلى الله عليه وسلم بسنتين وثلاثة أشهر وبضع ليال سنة ( 13 هـ )
ولما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر رجت المدينة بالبكاء ، ودهش الناس كيوم قبض
الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه باكيا مسرعا
وهو يقول : ( اليوم انقطعت خلافة النبوة )
حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر رضي الله عنه مسجى فقال :
( رحمك الله يا أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأكملهم إيمانا ، وأخوفهم لله ،
وأشدهم يقينا ، وأعظمهم عناء ، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صحبة ، وأفضلهم مناقب ،
وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا .
وقفات مع الصديق
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر "
فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال
( وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله )
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من أنفق زوجا أو قال زوجين من ماله أراه قال في سبيل الله دعته خزنة
الجنة يا مسلم هذا خير هلم إليه "
فقال أبو بكر رضي الله عنه : ( هذا رجل لا توى عليه )
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما نفعني مال قط إلا مال أبي بكر "
قال فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال
( وهل نفعني الله إلا بك وهل رفعني الله إلا بك )
- وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر "
- عن أبي أروى الدوسي رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا
فطلع أبو بكر وعمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحمد لله الذي أيدني بكما "
- عن النعمان بن بشير قال جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع
عائشة رضي الله عنها وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن
له فدخل فقال : ( يابنة أم رومان وتناولها أترفعين صوتك على رسول الله )
قال فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها قال فلما خرج أبو بكررضي الله عنه
جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها
" ألا ترين أني حلت بين الرجل وبينك "
قال أبو عبد الرحمن أحسبه قال ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها قال
فأذن له فدخل فقال أبو بكر رضي الله عنه :
(يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما )
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من أصبح اليوم منكم صائما،
قال أبو بكر: أنا.
قال: من عاد منكم اليوم مريضا ؟
قال أبو بكر: أنا.
قال: من شهد منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر: أنا.
قال: من أطعم منكم اليوم مسكينا ؟
قال أبو بكر: أنا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة".
لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر
فى عهد الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم كان صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم والتابعين يتسابقون لفعل الخير ومساعدة المحتاج ونصرة المظلوم وكان
أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما من أشد المتنافسين على هذه
الأعمال العظيمه التي يلقى صاحبها الخير الكبير والثواب الكثير في الدنيا والآخرة ..
وقعت أحداث هذه القصة فى عهد خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعندها
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يراقب ما يفعله أبو بكر الصديق ويأتى بضعف
ما يفعل حتى ينال الخير ويسبقه إلى أعلى مراتب الجنة ..
في أحد الأيام كان عمر يراقب أبو بكر الصديق في وقت الفجر وشد انتباهه أن
أبا بكر يخرج الى أطراف المدينة بعد صلاة الفجر ويمر بكوخ صغير ويدخل به لساعات ثم ينصرف لبيته ...
وهو لا يعلم ما بداخل البيت ولا يدري ما يفعلة أبو بكر الصديق رضي الله عنه
داخل هذا البيت لأن عمر رضي الله عنه يعرف كل ما يفعله أبو بكر الصديق رضي الله
عنه من خير إلا ما كان من أمر هذا البيت الذى لا يعلم عمر سره !!
مرت الايام ومازال خليفة المؤمنين أبابكر الصديق رضي الله عنه يزور هذا البيت
ومازال عمر لا يعرف ماذا يفعل الصديق داخله إلى أن قرر عمر بن الخطاب دخول البيت
بعد خروج أبو بكر منه ليشاهد بعينه ما بداخله وليعرف ماذا يفعل فيه الصديق رضي الله عنه بعد صلاة الفجر !!
حينما دخل عمر رضي الله عنه في هذا الكوخ الصغير وجد سيدة عجوز لا تقوى على
الحراك كما أنها عمياء العينين ولم يجد شيئا آخر في هذا البيت فاستغرب ابن الخطاب رضي الله عنه مما شاهد !!
وأراد أن يعرف ما سر علاقة الصديق رضي الله عنه بهذه العجوز العمياء ؟
سأل عمر العجوز : ماذا يفعل هذا الرجل عندكم ؟
( يقصد أبو بكر الصديق رضي الله عنه )
فأجابت العجوز وقالت : والله لا أعلم يا بنى فهذا الرجل يأتى كل صباح وينظف لي البيت
ويكنسه ومن ثم يعد لى الطعام وينصرف دون أن يكلمنى !
جثم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على ركبتيه واجهشت عيناه بالدموع وقال عبارته المشهورة :
( لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر )