التكافل الاجتماعي:
كتب : د بركات المهدى - د تامر عبد الغنى
تسود مجتمع الإمارات كغيره من المجتمعات العربية والإسلامية نزعات الرحمة والبر والتعاون , بالإضافة إلى العديد من المفاهيم والقيم الأساسية كالمحافظة على كرامة الإنسان وحريته وصيانة حقوقه , فرغم محدودية الإمكانيات في عصر ما قبل النفط , الا أن الآباء والأجداد قد وضعوا أروع نظام في التكافل الاجتماعي , فلم يكن الفرد مسئولا عن أسرته فقط وانما تمتد مسئوليته “ للفريج “ كله , وكانت القبيلة متضامنة متكاتفة متكافلة , فإن غاب أحد الرجال كان أقاربه أكثر الناس مودة لأولاده وعطفا عليهم حتى يعود من غيبته , وإن ألمت بأحدهم كارثة وقف الجميع معه كل حسب قدرته وطاقته . وبهذا كان مجتمع الإمارات أكثر ترابطا وقدرة على التواصل في الحياة الاجتماعية , من خلال معايير العقيدة الإسلامية , والقيم والعادات والتقاليد , التي تفرض نفسها على حياة مجتمع الإمارات عامة . وكانت حياة الإنسان معرضة لكثير من الحوادث والأزمات الاجتماعية والاقتصادية , وبقدر ما كان لدى الإنسان من قوة وعزيمة وإمكانات بقدر ما كان يقف صامدا أمام هذه المشاكل , الا أن التقارب الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد كان يمثل أساسا ودعامة هامة لرأب الصدع الذي قد يظهر بين أبناء المجتمع , وحل الأزمات التي قد يتعرض لها أي فرد فيه , وكان أبناء المجتمع يقفون مع الفرد أو الأسرة في محنتها , ويقدمون الدعم والعون المادي والمعنوي , ولذلك ظهرت سمات التكافل الاجتماعي الحقيقي بين أفراد المجتمع في الأزمات والحوادث , وكان الجار يرعى شئون جاره في غيابه , بتقديم العون والمساعدة وأداء الخدمات لأسرته حتى يعود فكان الناس أكثر تقاربا في الأفراح والاتراح .
المجتمع والتراحم لم ينس المجتمع الأسر الفقيرة والمحتاجة فكان يقدم تبرعات ظاهرة من خلال المجالس الشعبية التي يجتمع فيها الناس أو من خلال الصدقات والزكاة أو تلك المعونة المستترة التي يقدمها الأغنياء لبعض المحتاجين وللفقراء. وكان التراحم سمة من سمات المجتمع الإماراتي , والوفاء جزءا من حياته , فبقدر ما يأخذ الإنسان من مجتمعه فانه يعطى , وكان المحتاج والفقير والعاجز يجد المساعدة بأشكالها المختلفة نابعة من القلب دون جرح الإحساس أو الشعور , وانما بالتزام من أبناء المجتمع لعضو كان قدره ما هو عليه من فقر أو حاجة , ومن هنا نجد أن التكافل الاجتماعي لم يكن نتاج الحاضر , ولكنه وليد الأمس المشبع بقيم وتعاليم الإسلام الحميدة التي تحض على إطعام المسكين وتقديم العون للمحتاج. ولم تختلف دولة الإمارات العربية المتحدة كثيرا عن سائر دول الخليج العربية في طبيعة الخدمات الاجتماعية قبل مرحلة اكتشاف البترول , وتقول الدكتورة موزة غباش في دراسة عن تنمية الخدمات الاجتماعية “أن الإمارات ظلت منذ مطلع هذا القرن تعتمد في تقديم الخدمات الاجتماعية إلى سكانها على نظامين هما : نظام التكافل الاجتماعي و نظام الفزعة
نظام التكافل الإجتماعي
هو الذي يستند إلى تعاليم الدين الإسلامي والتزام سكان مجتمع الإمارات بهذا النظام , ومن صور هذه الخدمات توظيف أموال الزكاة والصدقات التي أمر بها الدين الإسلامي في مساعدة الأيتام والفقراء والمعوزين والمستحقين .
نظام الفزعة
هو النظام الذي يعتمد على التراث الاجتماعي الذي ينتمي في أصوله إلى التكوين الاجتماعي القبلي الذي ساد هذه المنطقة منذ أقدم العصور وينسجم هذا النوع من النظام مع الدين الإسلامي لأنه يمثل التعاون والتآزر بين الجماعة . ويعكس هذا النظام التضامن الاجتماعي بين الأفراد سواء في الأفراح أو في الأحزان كما يمكن تقسيم هذه الخدمات إلى نوعين هما:
الخدمات الإجتماعية تقدم مثل هذه الخدمات في حالة حدوث بعض المصائب التي قد يواجهها الأفراد كما هو الحال في غرق سفينة , أو حالة وفاة طارئة أو تعرض العائلة إلى سرقة , إلى غير ذلك , ففي مثل هذه الحالات تحتاج العائلة المتضررة إلى خدمات ومعونات من أفراد العائلة الكبيرة أو القبيلة. وهناك فرع آخر من هذه الخدمات التعاونية كانت تقوم ضمن نطاق القبيلة حيث تعكس صورة التضامن الاجتماعي بين العائلات في ظل النظام القبلي , فقد يتعرض الحاكم أو شيخ القبيلة إلى بعض المشاكل السياسية كدخوله في حروب مع قبيلة معينة أو في حالة زواج ابنه أو إقامة الأفراح في المناسبات الدينية أو الاجتماعية ففي مثل هذه الحالات يحتاج إلى مساعدة من أبناء قبيلته ويقدم كل فرد حسب مقدرته المساعدة التي يستطيع تقديمها , ويسمى هذا النظام “ الشوفه “ وهو نظام تعاوني يكفل لحاكم الإمارة الحصول على مساعدة أفراد قبيلته في حالة حدوث أي ضائقة خاصة بالشيخ أو بالإمارة نفسها. وقد عرف سكان مجتمع الإمارات هذا النظام , وكثيرا ما كان يلجأ إليه رؤساء القبائل للتعاون فيما بينهم وبين أبناء القبيلة , وخاصة في حالات الحوادث التي كانت تتعرض لها السفن التجارية كحالة غرق السفينة أو الحوادث الاخرى التي تتطلب من الحاكم تعويض مثل هذه الخسائر , فيضطر رئيس القبيلة أو الحاكم إلى جمع ما يحتاجه من مال وتعويض مثل هذه الخسائر التي كانت تدفع كغرائم من قبل الشيخ باعتبار أن المسئولية جماعية تتحملها الإمارة مع أبناء الإمارة .
الخدمات العامة كان هذا النوع من الخدمات يفرض على أفراد القبيلة من قبل الحاكم أو رئيس القبيلة كتعويض عما يقدمه الحاكم من خدمات اجتماعية مختلفة لعموم أفراد القبيلة أو سكان الإمارة , ويتحصل الحاكم على مبلغ من المال من جميع الأفراد الذين يزاولون النشاط الاقتصادي وخاصة من الذين يمارسون مهنة الغوص. . وكانت الحصيلة تخصص للصرف منها على الخدمات التي يقدمها الشيخ , كتأمين الحماية والدفاع عن الأفراد , ودفع رواتب العاملين في المساجد , أو سداد التعويضات للأفراد الذين يتعرضون لبعض المشاكل التي قد تقعدهم عن العمل وتغطية مصاريف الولائم والضيافة التي يقيمها الشيخ كجزء من القيم العربية الإسلامية . ولكن كل ذلك كان يتم في إطار محدود نتيجة محدودية الدخل قبل ظهور الثروة النفطية , وكان الحاكم يتولى تقديم المساعدة للكثيرين ممن يقصدونه طلبا لها. وقد تغير أسلوب هذه الكفالة الاجتماعية الشاملة بعد قيام الاتحاد وتفجر حقول النفط , فانتقلت من الأفراد والجماعات إلى الدولة التي تغطى الآن برعايتها هؤلاء الذين لا تساعدهم دخولهم البسيطة على الحياة الحرة الكريمة بدءا من المطلقات والأرامل وانتهاء بالعامل البسيط الذي لا يغطى أجره مصاريف بيته وأولاده”.
الرعاية الإجتماعية
رافقت التطورات الاقتصادية التي شهدتها الدولة زيادة سكانية كبيرة , ذات صفات وخصائص مختلفة ومتعددة نتج عنها علاقات اجتماعية تختلف في طبيعتها ونوعها عن العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في السابق , وتتطلب بالتالي معالجة ورعاية تختلف في مضمونها ونوعها وحجمها عن أشكال الرعاية التي كانت تقدم في السابق والتي كانت تستند أساسا إلى الرعاية الذاتية التي توفرها الأسرة أو الأقارب . وقد تركزت الخطة في مجال الخدمات الاجتماعية على السعي لإشباع حاجات إنسان الإمارات من الخدمات المختلفة التي تكفل رعايته فكريا وجسديا وجسمانيا وروحيا , من خلال توفير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية .
الضمان الإجتماعي
انتقل التكافل الاجتماعي بشكله القديم المرتبط بأبناء المجتمع لتصبح الدولة هي الراعية , فأقامت مؤسسات تشرف على الرعاية الاجتماعية للمسنين والأحداث والمعوقين . وأصدرت الحكومة قانون الضمان الاجتماعي رقم 6 لسنة 1977 والمعدل بقانون رقم 13 لسنة 1981 كما تطورت الإعانات الاجتماعية منذ قيام الاتحاد فارتفعت أكثر من 62 ضعفا , أي من 7 ملايين درهم سنة 1972 إلى ما يقرب من 500 مليون درهم سنة 1990 .
الشئون الإجتماعية
إن فلسفة الشئون الاجتماعية في دولة الإمارات العربية المتحدة مستمدة من السياسة الاجتماعية التي وضع أسسها ورعاها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة . ويستند جوهر هذه السياسة على اعتبار الإنسان أداة التنمية وغايتها كما تقوم هذه السياسة على الموازنة بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية , انطلاقا من القناعة الثابتة بأن التنمية الاقتصادية الحقيقية لن تتحقق الا بالتقدم الاجتماعي في أبعاده المختلفة
.العمل الاجتماعي انطلاقا من هذا المفهوم فقد عملت الدولة على توفير الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين على أرضها فأصدرت الدولة التشريعات لتنظيم العمل الاجتماعي على أسس ثابتة وتقديم الخدمات بصورة شاملة لجميع السكان , وتشجيع النشاط الأهلي للمساهمة مع الجهود الحكومية . وقد تحقق بفضل هذه الجهود العديد من الإنجازات الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال ما يلى :. أولا : إقرار نظام متميز للضمان الاجتماعي ذي مظلة واسعة تشمل كافة الفئات المحتاجة من أبناء الوطن وتقديم العون المادي لهم بما يضمن لهم مقومات الحياة الكريمة .. ثانيا : قيام العديد من الجمعيات النسائية للنهوض بالمرأة ورفع مساهمتها في أنشطة المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا . ثالثا : تأسيس العديد من الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في الريف والحضر لتوفير احتياجات المعيشة وتحسين مستوى الأسرة .. رابعا : إنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال ومراكز التنمية الاجتماعية ومراكز رعاية وتأهيل المعوقين ودور رعاية الأحداث والمسنين . خامسا : تنظيم وإشهار العديد من الجمعيات المهنية والاجتماعية والأدبية والثقافية وتقديم الدعم المادي والمعنوي لجمعيات النفع العام من قبل الدولة لتمكينها من تأدية واجباتها والنهوض بأعضائها في إطار المصلحة العامة للمجتمع .